سورة النمل - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


هذه الآية على جهة التمثيل لقريش، و{أن} من قوله {أن اعبدوا الله}، يحتمل أن تكون مفسرة ويحتمل أن تكون في موضع نصب تقديره بأن اعبدوا الله، و{فريقان} يريد بهما من آمن بصالح ومن كفر به، واختصاصهم تنازعهم وجدلهم، وقد ذكره الله تعالى في سورة الأعراف، ثم إن {صالحاً} تلطف بقومه وترفق بهم في الخطاب فوقفهم على خطيئتهم في استعجال العذاب قبل الرحمة والمعصية لله تعالى قبل الطاعة وفي أن يكون اقتراحهم وطلبهم يقتضي هلاكهم، ثم حضهم على ما هو أيسر من ذلك وأعود بالخير وهو الإيمان وطلب المغفرة ورجاء الرحمة فخاطبوه عند ذلك بقول سفساف معناه تشاءمنا بك، قال المفسرون: وكانوا في قحط فجعلوه لذات صالح وأصل الطيرة ما تعارفه أهل الجهل من زجر الطير وشبهت العرب ما عن بما طار حتى سمي ما حصل الإنسان في قرعة طائراً، ومنه قوله تعالى {ألزمنا طائره في عنقه} [الإسراء: 13]، وخاطبهم صالح ببيان الحق أي {طائركم} على زعمكم وتسميتكم وهو حظكم في الحقيقة من تعذيب أو إعفاء هو {عند الله} وبقضائه وقدره وإنما أنتم قوم تختبرون، وهذا أحد وجوه الفتنة، ويحتمل أن يريد بل أنتم قوم تولعون بشهواتكم وهذا معنى قد تعورف استعمال لفظ الفتنة فيه ومنه قولك: فتن فلان بفلان، وشاهد ذلك كثير.


ذكر الله تعالى في هذه الآية {تسعة} رجال كانوا من أوجه القوم وأفتاهم وأغناهم وكانوا أهل كفر ومعاصٍ جمة، جملة أمرهم أنهم {يفسدون} {ولا يصلحون}، قال عطاء بن أبي رباح: بلغني أنهم كانوا يقرضون الدنانير والدراهم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا نحو الأثر المروي: قطع الدنانير والدراهم من الفساد في الأرض، و{المدينة} مجتمع ثمود وقريتهم، والرهط من أسماء الجمع القليلة، العشرة فما دونها رهط، ف {تسعة رهط} كما تقول تسعة رجال، وهؤلاء المذكورون كانوا أصحاب قدار عاقر الناقة وقد تقدم في غير هذا الموضع ما ذكر في أسمائهم، وقوله {تقاسموا} حكى الطبري أنه يجوز أن يكون فعلاً ماضياً في موضع الحال كأنه قال متقاسمين أي متحالفين بالله، وكان في قوله {لنبيتنه}، ويؤيد هذا التأويل أن في قراءة عبد الله {ولا يصلحون تقاسموا} بسقوط {قالوا}، ويحتمل وهو تأويل الجمهور أن يكون {تقاسموا} فعل أمر أشار بعضهم على بعض بأن يتحالفوا على هذا الفعل ب صالح، ف {تقاسموا} هو قولهم على هذا التأويل وهذه الألفاظ الدالة على قسم أو حلف تجاوب باللام وإن لم يتقدم قسم ظاهر فاللام في {لنبيتنه} جواب ذلك، وقرأ جمهور القراء {لنبيتنه} بالنون، {ثم لنَقولن} بنون وفتح اللام، وقرأ الأعمش وطلحة وابن وثاب {ليُبيتنه} بالياء مضمومة فيهما {ثم ليقولن} بالياء وضم اللام، وفي قراءة عبد الله {ثم لتقسمن ما شهدنا}، وقرأ حمزة والكسائي {لتبيتنه} بالتاء {ثم لتقولُن} بالتاء وضم اللام وهي قراءة الحسن وحميد، فهذا ذكر الله فيه المعنى الذي أرادوه، لا بحسب لفظهم، وروي في قصص هذه الآية أن هؤلاء التسعة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة وقد أخبرهم صالح بمجيء العذاب اتفق هؤلاء التسعة فتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلاً فيقتلوه وأهله المختصين به، قالوا فإن كان كاذباً في وعيده أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقاً كنا قد عجلناه قبلنا وشفينا نفوسنا، قال الداودي. فجاؤوا واختفوا لذلك في غار قريب من داره، فروي أنه انحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعاً، وروي أنه طبقت عليهم الغار فهلكوا فيه حين هلك قومهم، وكل فريق لا يعلم بما جرى على الآخر، وكانوا قد بنوا على جحود الأمر من قرابة صالح الذين يمكن أن يغضبوا له فهذا كان أمرهم، والمكر نحو الخديعة، وسمى الله تعالى عقوبتهم باسم ذنبهم وهذا مهيع ومنه قوله تعالى: {يستهزئ بهم} [البقرة: 15] وغير ذلك، وقرأ الجمهور {مُهلَك} بضم الميم وفتح اللام، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بفتحهما، وروي عنه فتح الميم وكسر اللام، والعاقبة حال تقتضيها البدأة وتؤدي إليها بواجب، ويعني بالأهل، كل من آمن معه قاله الحسن، وقرأ جمهور القراء {إنا دمرناهم} بكسر الألف، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {أنا دمرناهم} بفتح الهمزة وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق، ف {كان} على قراءة الكسر في الألف تامة، وإن قدرت ناقصة فخبرها محذوف أو يكون الخبر {كيف} مقدماً لأن صدر الكلام لها ولا يعمل على هذا انظر، في {كيف} لكن يعمل في موضع الجملة كلها، وهي في قراءة الفتح ناقصة وخبرها أنَّا ويجوز أن يكون الخبر {كيف} وتكون أنَّا بدلاً من العاقبة، ويجوز أن تكون {كان} تامة وأنّا بدلاً من العاقبة، ووقع تقرير السؤال ب {كيف} عن جملة قوله {كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم} وليس بمحض سؤال ولكنه حقه أن يسأل عنه، والتدمير الهلاك. ويحتمل أن تتقدر {كان} تامة على قراءة الفتح، وغيره أظهر، وقرأ أبي بن كعب {أن دمرناهم} فهذه تؤيد قراءة الفتح في أنا.


إخواء البيوت وخرابها مما أخبر الله تعالى به في كل الشرائع أنه مما يعاقب به الظلمة وفي التوراة. ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك، و{خاوية} نصب على الحال التي فيها الفائدة، ومعناها خالية قفراً، قال الزجاج وقرئت {خاويةُ} بالرفع وذلك على الابتداء المضمر أي هي خاوية، أو على الخبر عن تلك، و{بيوتهم} بدل أو على خبر ثان، وهذه البيوت المشار إليها هي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين» الحديث، ثم قال تعالى: {ولوطاً} تقديرة واذكر لوطاً، و{الفاحشة} إتيان الرجال في الأدبار، و{تبصرون} معناه بقلوبكم أنها خطيئة وفاحشة، وقالت فرقة {تبصرون} بأبصاركم لأنهم كانوا ينكشفون بفعل ذلك ولا يستتر بعضهم من بعض، واختلف القراء في قوله {أئنكم} وقد تقدم، وقرأ جمهور الناس {جوابَ} نصباً، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق {جوابُ} بالرفع، ونسب ابن جني قراءة النصب إلى الحسن وفسّرها في الشاذ، وأخبر الله تعالى عن قوم لوط أنهم تركوا في جوابهم طريق الحجة وأخبروا بالمبالغة فتآمروا بإخراجه وإخراج من آمن معه ثم ذموهم بمدحه، وهي التطهر من هذه الدناءة التي أصفقوا هم عليها قال قتادة هابوهم والله بغير عيب، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {قدرناها} بتخفيف الدال، وقرأ جمهور القراء {قدّرناها} بشدّ الدال، الأولى بمعنى جعلناها وحصلناها والثانية بمعنى قدرناها عليها من القضاء والقدر، والغابرون، الباقون في العذاب، وغنبر بمعنى بقي، وقد يجيء أحياناً في بعض كلام العرب يوهم أنه بمعنى مضى، وإذا تؤمل توجه حمله على معنى البقاء، والمطر الذي مطر عليه هي حجارة السجيل أهلكت جميعهم، وهذه الآية أصل لمن جعل من الفقهاء الرجم في اللوطية، وبها تأنس لأن الله تعالى عذبهم على كفرهم به وأرسل عليهم الحجارة لمعصيتهم ولم يقس هذا القول على الزنا فيعتبر الإحصان.
بل قال مالك وغيره يرجمان في اللوطية أحصنا أو لم يحصنا وإنما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوا الفاعل والمفعول به فذهب من ذهب إلى رجمهما بهذه الآية.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7